top of page

نبذه عن الشاعر عمر الزعني

وُلد عمر محمّد الزعنّي في بيروت عام ١٨٩٨ ونشأ في كنف عائلةٍ محافظة تنتمي إلى الطبقة الوسطى. درس في الكلّيّة العثمانيّة التي تخرّج منها أعلامٌ نهضويّون نذكر منهم عمر فاخوري، وعبد الله اليافي، وعبد الله المشنوق، ومحمّد ومحمود المحمصاني والشهيدين عمر حمد وعبد الغني العريّسي اللذين أعدمهما جمال باشا. خدم في الجيش العثمانيّ برتبة ضابط إداريّ خلال الحرب العالميّة الأولى وانتقل بعدها للعمل في التعليم ومن ثمّ في محكمة البداية في بيروت قبل الحصول على منحةٍ لدراسة الحقوق في الكليّة اليسوعيّة.

كانت بيروت آنذاك تحمل إرثها العثمانيّ وتنمو تدريجيّاً من مدينةٍ صغيرة ذات طابع شبه ريفيّ إلى حاضرةٍ إقليميّة، ولم تصبح بعدُ مركز استقطاب فنّيّ على غرار القاهرة أو حلب. سبقتْ هذه المرحلة موجاتٌ من الهجرة لأهل الثقافة والفنّ إلى القاهرة التي أغرتهْم بانفتاحها واستقرارها والهامش الواسع من الحرّيّة التي افتقدوها في بلادهم، فبرز منهم أعلامٌ في الصحافة والفنون أمثال جرجي زيدان (الهلال)، وآسيا داغر (الإنتاج السينمائيّ)، وبديعة مصابني (الفنّ الاستعراضيّ). وتصف ديانا عبّاني المشهد الموسيقيّ، إذ كانت تقام في المدن الحفلات الخاصّة في «منازل خاصّة بدعوةٍ من شخصيّات مهمّة، غالباً بمناسبة (اجتماعيّة) معيّنة، واقتصرتْ على طبقة الأغنياء والحكّام هدفها التسلية وإظهار أهميّة المضيف وكرمه». وازدهرت المرابع الليليّة ودُور المسارح على النمط الأوروبيّ خلال مرحلة الانتداب حين ساد التهافت على تقليد كلّ ما هو إفرنجيّ في الحياة اليوميّة بما فيها أنماط اللهو والتسلية والأعمال المسرحيّة الوافدة من فرنسا ومصر. أمّا في الأرياف الشاميّة، فأقيمت الحفلات الشعبيّة خلال المناسبات الدينيّة والاجتماعيّة. وتشير عبّاني إلى أنّه «رغم كافّة التغيّرات التي شهدتْها المنطقة منذ بداية القرن العشرين، بقيت النظرة إلى الموسيقى والمسرح نظرةً سلبيّة في المجتمع». لذلك اتّسمت الأعمال المسرحيّة بطابَعٍ أدبيٍّ نهضويّ يمجّد القيَم الفروسيّة الأخلاقيّة وأحياناً الدينيّة في حاضرةٍ مدنيّة ما زالت متردّدةً في إعطاء الفنّ المسرحيّ المحلّيّ شرعيّته الاجتماعيّة خارج إطار المدارس والجامعات والجمعيّات الخيريّة.

تحوّلات بيروت وتحوّلات الفنّ

كان يتولّى الكادر التعليميّ إعداد المسرحيّات التي تقدّمها مدارس بيروت وإخراجها استناداً إلى نصوصٍ مترجَمة ويمثّلها الطلّاب. وأصبحتْ تقليداً سنويّاً عُرفت به مدارس الثلاثة أقمار، وزهرة الإحسان، والبطركيّة (ومنها انطلق زكي ناصيف)، والمقاصد، والحكمة بالإضافة إلى الكلّيّة العثمانيّة التي ساهمت في تكوين شخصيّة عمر الزعنّي وإبراز مواهبه الفنّيّة حيث كان يشارك فيها تأليفاً وأداءً مع رفاقه. ويَذكر محمّد كريّم بعضاً من تلك الأعمال كما وردتْ في جريدة «لسان الحال» ومنها رواية «امرؤ القيس» (١٩٠٩) و«واقعة ذي قار» (١٩١٠)، وهما من تأليف الشيخ أحمد عبّاس مؤسّس المدرسة. واستمرّ اهتمام الزعنّي بالمسرح ليَظهر لاحقاً على المسارح العامّة وليشارك بتشجيع من الأديب رائف فاخوري (١٨٨٤ - ١٩٥٣) في مسرحيّاته تمثيلاً وغناءً وبالأخصّ في رواية «جابر عثرات الكرام» في دور «حنين»، وهي مسرحيّة «أدبيّة تاريخيّة أخلاقيّة تهذيبيّة» ذات فصول خمسة قُدّمت على مسرح الكريستال (١٩٢١) كما عرضتْ على مسارح أخرى في بيروت وطرابلس والقاهرة. قدّم الزعنّي مونولوغات وطنيّة خلال فصول الرواية «طُرب لسماعها الحضور وصفّقوا لها مرارا». ولعلّه أصبح يوقّع قصائده باسم «حنين» بعد نجاح هذا العمل ليخفي اسمه الحقيقيّ لأنّه كان لا يزال موظّفاً حكوميّاً.

استمرّ عطاء الزعني حوالي أربعة عقود منذ نهاية العقد الثاني من القرن الماضي حتى وفاته في العام ١٩٦١. وتمتاز هذه الفترة بكونها مسرحاً لتحوّلات كبيرة وأحداث حاسمة على كلٍّ من المستويين المحلّيّ والإقليميّ. في بدايتها قام الانتداب الفرنسيّ على لبنان وسورية نتيجة سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة وتقسيم الولايات العربيّة فيها حسب اتفاقية سايكس - بيكو (١٩١٦) وإعلان لبنان الكبير (١٩٢٠) الذي انقسم أهل البلاد حوله بعد جحيم الحرب العالميّة الأولى وما شهدته من مجاعةٍ وتفشّي الأمراض والقمع العنيف للحركات الاستقلاليّة في بيروت وجبل لبنان. عزّز الانتداب مركزيّة دور بيروت على حساب الأرياف اللبنانيّة ودعَمَ المستوردين والمصرفيّين والزعماء التقليديّين بما يناسب مصالحه. وكانت الثلاثينيّات مرحلة «الاضرابات العظمى في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة» التي ضاعفتْ أزمة الكساد الاقتصاديّ العالميّ (١٩٢٩) من نتائجها. فتوالت الإضرابات العمّاليّة ضدّ البطالة والفساد والاحتكارات وتَصاعد الاصطفاف الطائفيّ السياسيّ حول العلاقة مع سورية والاستقلال عن فرنسا. وما لبثت الحرب العالميّة الثانية (١٩٣٩ - ١٩٤٥) أنْ مهّدتْ طريق الاستقلال بعدما انهارتْ فرنسا تحت وطأة الاحتلال الألمانيّ ودعمت النخب الاقتصاديّة المحلّيّة بأن «تتحرّر من قيود منطقة الفرنك الفرنسيّ الضعيفة والضيّقة».

اكتسب الزّجَل شعبيّةً فائقةً منذ أن ارتحل من القرية ومناسباتها الاجتماعيّة إلى المسرح المنبريّ في بيروت مع جوقة شحرور الوادي (١٩٢٨) التي ترسّخ عبرها الشّكل المنبريّ المعاصر المؤلَّف من أربعة شعراء وردّيدة وعازفيّ دفّ.وشهدتْ حقبة ما بين الحربين العالميّتين ترسيخ تحديث النّظُم والمؤسّسات الإداريّة والتربويّة والثقافيّة والفنّيّة بناءً على النموذج الأوروبّي بما فيها إنشاء راديو الشرق في بيروت (1938) الذي سبقتْها حسب مذكّرات عجّاج نويهض الإذاعة المصريّة وتبعتْها الإذاعة العراقيّة ومن ثَمّ إذاعة فلسطين. وقد تأسّست فيها «اللجنة الفنّيّة الأدبيّة» التي كان من مهمّاتها «تنمية الروح القوميّة في نفوس الشعب، لأنّ الغناء والتمثيل هما من أقوى الوسائل تأثيراً في ذهنيّات النّاس وميولهم، ولا يجوز بأيّ حال أنْ تُترك هذه الوسائل تُعمل فساداً في الأذواق والنّفوس». وازدهر الشعر الشعبيّ الذي اهتمّ بالتعبير «المباشر عن التّغيّرات السكّانيّة والثقافيّة والقيَميّة التي شهدها». واكتسب الزّجَل شعبيّةً فائقةً منذ أن ارتحل من القرية ومناسباتها الاجتماعيّة إلى المسرح المنبريّ في بيروت مع جوقة شحرور الوادي (١٩٢٨) التي ترسّخ عبرها الشّكل المنبريّ المعاصر المؤلَّف من أربعة شعراء وردّيدة وعازفيّ دفّ. وعبر أثير الإذاعة اتّسعتْ رقعة انتشار الزّجل في لبنان وخارجه، فقد خصّص مديرها ألبير أديب قسماً خاصّاً للغناء البلديّ (١٩٣٨)، وأوكل إدارته إلى الشاعر وليم صعب الذي منع «الغزليّات المائعة والنّواح والأنين وكل ما يمس بالأخلاق»، ونظّم مسابقاتٍ شهريّةً وفتح مجالاً للحفلات المنبريّة في سبيل تشجيع الشعراء الشعبيّين.

لبننة الزّجل

توالت القرارات التنظيميّة لرفد الإذاعة بالإنتاج الغنائيّ المبنيّ على «الزّجل باللغة اللبنانيّة الدّارجة»، ومنها المذكّرة الإداريّة رقم ١١ / ٤٧ التي عمّمها المدير الفنّيّ للإذاعات العربيّة في راديو الشرق جورج فرح في 25 حزيران / يونيو ١٩٤٤: «يُرجى من جميع الملحّنين في إذاعة «راديو الشّرق» وخارجها أن يمتنعوا بتاتاً عن تلحين جميع الأغاني الزجليّة المعروفة باللغة المصريّة - بل المطلوب منهم جميعاً أن يلحّنوا من الآن وصاعداً الأغاني الزجليّة المعروفة باللغة اللبنانيّة الدارجة. ويمكنهم اختيار هذه الأغاني اللبنانيّة من نظْم الشّعراء اللبنانيّين أمثال: إميل مبارك، أسعد سابا، أسعد السّبْعلي، فؤاد قرداحي، كميل خليفة، وليم صعب، وغيرهم من شعراء الزجل اللبنانيّ». أصبح راديو الشرق الإذاعة اللبنانيّة الرسميّة بعد ثلاث سنوات من نَيل لبنان استقلاله. وقدْ دارت النّقاشات حول هويّة الأغنية اللبنانيّة وكيفيّة الارتقاء بها نصّاً، ولحناً وغناءً. وكان لعمر الزعنّي دورٌ مؤثّرٌ في «قضيّة النّصوص» كما سمّاها توفيق الباشا حيث إنّ «الزجل المنبريّ لا يتماشى مع الأغنية، فقام بتوجيه (الشعراء الشباب) نحو الأغنية وأعطاهم القالب والطريقة، لأنّه رأى لديهم شاعريّةً يمكن الاستفادة منها في الأغنية». ويعبّر الزعنّي عن طموحه وخَيبته في آنٍ واحد في مقالةٍ نشرها في مجلّة الإذاعة في ١٠ آب / أغسطس ١٩٤٧: «أريد أن أسمع من المحطّة اللبنانيّة صوتَ لبنان قبل كلّ صوت... ويؤلمني أنّنا لم نُحسن إسماعه جيّداً إلى النّاس كما تمكّن من إسماعه بعض فنّانينا خارج لبنان كنور الهدى وصباح وبيضا وسلمان».

فنٌ مشغولٌ بواقعيّة اللحظة الراهنة

تناولتْ أعماله مظاهر أَوْربة الحياة البيروتيّة، والتّفاوت بين الطبقات الاجتماعيّة، ونهضة المرأة (قصيدة «لا تحرموها»)، كما ناهض الانتداب وتدهور الاقتصاد والفساد (قصيدة «الطقس جميل» و«ضيعانك يا بيروت»). وأغضبت أولى أغنياته «حاسب يا فرنك» الفرنسيّين وأدّت إلى عزله من وظيفته الحكوميّة وطرده من الكلّيّة اليسوعيّةتمثّل نصوص عمر الزعنّي في هذا المشهد سجلّاً للأحداث والتحّولات الحاضرة بحسب النّاقدة خالدة سعيد، يفترق عمّا كان يقوله أهل الزّجل ويكتبه أدباء الجبل حنيناً إلى قريةٍ في طريقها إلى الزوال «شعراً يتداخل بحسٍّ وطنيّ سياسيّ». هو انشغالٌ بواقعيّةِ اللحظة الحاضرة بدلاً من رومانسيّة استرجاع الماضي يتطلّب «وعياً خاصّاً ومميّزاً لفهم دور الأدب والأديب، وجهداً واضحاً وجريئاً على مستوى التقنيّة الفنّيّة»ارتبط فنّ الزعنّي بالأغنية والأداء المسرحيّ المتْقن فجمَعَ بين الغناء والتمثيل في النّوادي والمسارح والصالونات الأدبيّة، والأسطوانات، والإذاعة، ولاحقاً التلفزيون. اتّسم هذا الوعي بمنحىً أخلاقيّ رسَمَ ملامح التعبير الفنّيّ في تلك المرحلة ونقْدٍ اجتماعيٍّ وسياسيّ للنّظام القائم ممزوجٍ بحسٍّ فكاهيّ هادفٍ يتنقّل بين المرَح والسخرية والمضحِك المبكي. وقد اختار الزعنّي ثوب «اللهجة (البيروتيّة المحلّيّة) الوسيطة بين الفصحى والعامّيّة» الذي انتشر قبل تأسيس خطاب هويّته التي تمحورتْ حول «الخصوصيّة اللبنانيّة» وعلاقة الإنسان مع الطبيعة والأرض منذ الخمسينيّات مع انطلاقة الليالي اللبنانيّة في مهرجانات بعلبك الدوليّة حتى زمن الحرب الأهليّة. ولبّى بذلك «شروط البلاغة في المعنى والفصاحة في التركيب» عن هذه الجنّة الخراب - وطنِنا، والعروس النّائحة - حياتنا، والغانية المهجورة - عامّيّتنا، والشجرة الشرقيّة الغربيّة - ثقافتنا كما كتَبَ عمر فاخوري في مقالة مبكّرة تعود إلى العام ١٩٢٤. ورسم الصور الكاركاتوريّة بالكلمات وازدواج المعاني مستعيناً بالرّموز والأمثال الشعبيّة والمفردات والتّعابير التي كان يقطفها من أحاديث النّاس وتناقضات الحياة اليوميّة وإيقاعاتها لتقود إلى «خلاصات مفاجئة تشكّل عنصراً هامّاً من عناصر تكوّن الصورة» في نصوصه. وقد تأثّر بأعمال سيّد درويش وفنّ المونولوغ المصريّ والشانسونيه الفرنسيّ وكانت ألحانُه الخالية من المقامات الشرقيّة في مجملها وسيلةً لإيصال المعنى مباشرةً إلى الوجدان الشعبيّ والنّخَب الاجتماعيّة في آن. كما أثّر في مجموعةٍ من أعلام تلك المرحلة ومنهم سامي الصيداوي، ولور دكّاش، وفيروز ماميش، وإيليّا بيضا، وعبد القادر التنّير. ساعدَه في الموسيقى في بداية مسيرته الأخَوان فليفل، وكميل شامبير من حلب، ولاحقاً توفيق الباشا الذي عمل مع فرقة العازفين التي رافقت الزعنّي في حفلاته الصيفيّة في الفنادق الجبليّة كالجبيلي وطانيوس في عاليه، وصوفر الكبير، والإمباسادور في بحمدون، وفندق قاصوف في ضهور الشوير. وتناولتْ أعماله مظاهر أَوْربة الحياة البيروتيّة، والتّفاوت بين الطبقات الاجتماعيّة، ونهضة المرأة (قصيدة «لا تحرموها»)، كما ناهض الانتداب وتدهور الاقتصاد والفساد (قصيدة «الطقس جميل» و«ضيعانك يا بيروت»). وأغضبت أولى أغنياته «حاسب يا فرنك» الفرنسيّين وأدّت إلى عزله من وظيفته الحكوميّة وطرده من الكلّيّة اليسوعيّة قبل استكمال دراسته في الحقوق. يصف الزعنّي واقع حاله وشعوره بالظلم في قصيدة حردان: «من وظيفتي فصلوني / من معاشي حرموني / من حفلاتي منعوني / ربع ساعة في الإذاعة / يا جماعة، ما عطيوني / وبتقولوا لي، ليش حردان؟ / اللي بيطبّل أو اللي بيطنطن / صفّى مغنّي، صفّى ملحّن / ولولا منّي، لولا فنّي / مين بيغنّي، مين بيلحّن / في سوريا، وفي لبنان؟».

السجن زمن الاستقلال

وأتى زمن الاستقلال، وهلّل له الزعنّي. كتب عن الجلاء ودعا إلى دعم الرئيس بشارة الخوري ومن ثَمّ الرئيس كميل شمعون. وأُتّهم بأنّه انقلب من ناقدٍ لاذعٍ الى مدّاح متطرّفٍ، لكنّه ما لبث أن اصطدم بخيبات الواقع الجديد وبأداء النّخَب المحلّيّة، فكلّ «البرامج فاسدة» و«الفوضى قايمة قاعدة». راح ينتقد الرّئيس مباشرةً بدايةً منتقلاً إلى هجاء الإدارة الوطنيّة وَمواسم الانتخابات والرشوة والمحتكرين بعدما سُجن في العام ١٩٥٠ بسبب قصيدة «جدّد له ولا تفزع»، فكتب يقارن بمرارةٍ بين زمنين: «على أيّام الانتداب / عهد الظّلم والإرهاب / ما كنت خاف ولا هاب / لا حكومة ولا نوّاب / أمّا اليوم ألف حساب / صرت إحسب للأذناب». انتقل إلى العمل في إذاعة الشرق الأدنى مبتعداً عن السياسة، ذلك لأنّ «لها مجالاً غير مجال الإذاعات في الحفلات العامّة». وكانت هذه الإذاعة التي أسّستْها الحكومة البريطانيّة بداية الأربعينيّات من القرن الماضي في يافا قد اتّخذتْ لها استوديوهات للإنتاج في بيروت عام ١٩٥٢، وكان مديرها الفنّيّ صبري الشريف. وساهم بنظم الأغاني ومقدّمات البرامج والإعلانات، كما اشترك في برامج المنوّعات مثل «مفتاح السَّعد»، و«انسَ همومك»، و«استعراض أهل الفنّ»، و«غزل البنات» إلى جانب نجيب حنكش وشامل ومرعي ومطربين وشعراء، وتولّى إخراجها عبد المجيد أبو لبن وقاد الفرقة الموسيقيّة توفيق الباشا. عبّر الزعنّي في إحدى مقابلاته عن تغيّر الذّائقة العامّة في منتصف الخمسينيّات بعدما انحسرتْ حفلاته في مواسم الاصطياف وأغلقتْ بعض منصّاتها البيروتيّة أبوابها مثل الكريستال والأوبرا: «لمين بدّي غنّي ولمين أعرض فنّي؟ يلّلي بيفهموني من أهل بلادي كتار، بس للأسف ما في معهم فلوس (...) ويللي معهم فلوس مقسومين إلى قسمين، قسم بيحبّ الغناء الفرنجيّ وهم أكابر بلدنا، وقسم بيحبّ الرقص الشرقي، والاثنين ما بيفهموني. إذا غنّيت مع الحكومة، ما حدا بيرضى عنّي، إذا غنّيت ضدّ الحكومة، الحكومة بتحبسني وما لقيت حدا يدافع عنّي». انتقل الزعنّي إلى التلفزيون بعد عام من افتتاحه وقدّم في أواخر أيّامه برنامجاً بعنوان «ألوان من لبنان» بالاشتراك مع الشعراء أسعد سابا وأسعد السبعلي وعبد الجليل وهبي. تطرّق البرنامج إلى المواضيع الاجتماعيّة وقدّم فيه الزعنّي إحدى أشهر السجالات الشعريّة مع أسعد سابا حول الجبل والمدينة. رحل شاعر الشعب في شباط / فبراير 1961 جرّاء إصابته بنوبة قلبيّة حادّة. كتب توفيق يوسف عوّاد في رثائه: «على أنّ ما يجهله النّاس أنّ الرجل الضّاحك الذي كان يُشيع البهجة في نفوسهم كان يُخفي وراء ضحكه نفْساً تقطر دماً، ليست نفْس شاعر الشعب، بل نفس الشاعر وحسب».


Comments


bottom of page